لبنان “الأسوأ” عالميًا في “التجارب السلبية”.. هل يشهد ارتفاعًا في معدلات الجريمة؟
كثيرة هي المشاكل في لبنان، من إرتفاع سعر صرف الدولار مروراً بتدني قيمة الرواتب والأجور وتبخّر أموال المودعين، فضلاً عن الأزمات السياسية المتتالية وصولاً إلى الكوارث الكبرى كإنفجار مرفأ بيروت والفيضانات المنتظرة على أبوب الشتاء. جميع هذه المشاكل تتنعكس بطبيعة الحال على الحياة الإجتماعية للبنانيين، الذين باتوا ينتظرون سماع الأخبار “السيئة” مع كل صباح.
وانطلاقًا من ذلك، فإن “أفضل المتفائلين” يتوقّع تطوّر كل هذه المشاكل مع الوقت، وهذا ما يبدو واضحاً من خلال تقرير صدر عن مركز “غالوب” لاستطلاعات الرأي حول “مؤشر المشاعر لدى اللبنانيين”، والذي أشار الى أن نسبة الغضب والحزن والألم الجسدي والقلق والتوتّر إرتفعت من 30 بالمئة عام 2018 إلى 48 بالمئة عام 2019، كما ارتفعت مشاعر الحزن من 19 إلى 40 في المئة، وكذلك عدد الغاضبين ارتفع من 23 إلى 43 في المئة، فضلاً عن وصول مستوى التوتر والقلق والألم إلى درجات قياسية عام 2019.
في المقابل، إنخفض عدد اللبنانيين الذي يشعرون بالسعادة ويرغبون بالضحك والابتسامة، حيث توصّل الاستطلاع الى أن اللبنانيين قيّموا حياتهم بشكل إيجابي بنسبة 4 في المئة، وهي أسوأ التصنيفات في العالم لعام 2019، ليصف المركز الوضع في لبنان بالعبارة التالية: “لم تشهد أي دولة في العالم ارتفاعاً في التجارب السلبية مثل لبنان”.
وفي هذا الصدد، يوضح الإختصاصي في علم النفس العيادي، د. نبيل خوري، في حديث لـ”أحوال” أن السبب الأوّل في وصول اللبنانيين الى هذه الحالة هو الوضع الإقتصادي الضاغط الذي يشعرون به، وعدم وجود المقوّمات الكافية التي تجعل اللبناني يشعر بالإستقرار النفسي، اذ لم يعد يستطيع العيش كما كان معتاداً من قبل، فيما يبرز السبب الثاني في الأمراض التي انتشرت مؤخراً، وفي مقدمتها فيروس كورونا الذي ألزم المواطنين على البقاء في منازلهم”.
من هنا، يتابع خوري: “بالإضافة الى هذين السببين، يلعب الإعلام الذي يُسلط الضوء على السلبيات في حياتنا اليومية دوراً في ذلك”، مشيرًا بالمقابل إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في أن الأزمات تفتقر الى إيجاد حلول في ظل الضائقة الاقتصادية المستمرّة، كما أن جميع الحلول التي اتُبعت لم تنفع في معالجة أزمة كورونا”.
من جهة أخرى، يلفت خوري إلى أن “عدم وجود أمل بمستقبل أفضل حفّز حالات الإحباط والضغط النفسي والعصبي”، محذّرًا بالتالي من استمرار الوضع على حاله كونه يُنذر بعواقب وخيمة جداً، منها زيادة معدلات الجرية والانتحار، “لأن الناس أصبحت تبحث عن الحل الأسهل”، بحسب قوله.
أما النصائح التي يمكن توجيهها، يقول الاختصاصي في علم النفس العيادي: “النصائح العامة هي ضرورة التحلّي بالصبر، وأن يُمارس اللبناني دوره الطبيعي في المجتمع كإنسان منتج، والابتعاد قدر الإمكان عن الامور التي كان معتاد عليها”.
بدوره، يوضح المعالج النفسي، د. فادي يازجي، في حديث لموقعنا أن “المواطن اللبناني هو الوحيد الذي يدفع ثمن الأوضاع التي وصلنا اليها، اذ أن قيمة مدخوله تدنت جداً ولم يعد يستطيع الوصول الى أدنى متطلباته الحياتية، وبالتالي لا يمكن لشعب أن يصل الى هذه المرحلة دون أن يشعر بحالة اكتئاب قوية، لأن الجهاز العصبي لا يحتمل جميع هذه الضغوطات”.
هل يساعد الاعتياد على الأوضاع الحالية في التخفيف من الضغوط النفسية؟
يُجيب يازجي: “لا يمكن للمواطن الاعتياد على سوء الأوضاع الاقتصادية، إنما حالته ستزيد سوءاً، اذ لا يمكن الاعتياد على غياب الدواء والغذاء والحاجات الأساسية”، مشيرًا إلى أن الوضع الحالي سيزيد من مستويات السرقة والجريمة، و”هذا ما نشهده حالياً مقارنةً بالعام الماضي”، ليقترح بالمقابل أن “تقوم الدولة بوضع خطوط ساخنة للتواصل مع المعالجين النفسيين لكي يتمكنوا من مساعدة المواطنين”.
إذاً، يبدو أن الصحة النفسية للبنانيين في طريقها نحو التدهور نتيجة تراكم وتوالي الأزمات التي يعيشونها، في الوقت الذي تعجز فيه الدولة عن تأمين أبسط مقومات الحياة، إنما تدرس إمكانية رفع الدعم عن الدواء وغيره من المواد الأساسية، لذا لا أحد يتوقع اكتراثها لهذه المعضلة المستجدة، ليزيد اللبناني مشلكة جديدة إلى رزنامة مشاكله.
مهدي كريّم